الرئيسية » مقالات » مقالاتي

التفرغ في الجامعة اللبنانية: بين المِنّة والحرام- ميشال يمين

في "حفلة" تفريغ ثلة جديدة من حملة الشهادات للتعليم في مختلف كليات الجامعة اللبنانية تبدو الإدارة اللبنانية، كما هي في كل مكان وزمان، مثابة "طفاية حرائق"، تخبط في كل مشكلة من مشاكل مجتمعنا "خبط عشواء". وإلا لما كان التفرغ في الجامعة يتم، كما درجت العادة، على شكل "حملات" شبه مفاجئة يتداخل فيها الأكاديمي مع الطائفي والحزبي، فتكونُ الغلبة عادة لما تعودناه غالباً، أي للثاني وهو الأشد سطوة والأكثر رواجاً في بلدنا. ومن لم يحرق الدواليب للوصول إلى مبتغاه طرق الدروب السالكة إلى السياسيين والنافذين. فلو كان تفريغ الأساتذة في سلك الجامعة يتم كل سنة أو سنتين، بالتوازي مع بلوغ أساتذة الملاك والتفرغ السن القانونية ومع ازدياد حاجات الجامعة إلى اختصاصات جديدة، وعلى قاعدة الشفافية والاختيار الأكاديمي السليم؛ ولو أعطي الموظفون في كل مؤسسات الدولة حقوقهم بالتناسب مع مؤهلاتهم العلمية ومع مدى تفانيهم في عملهم، بحيث لا تكون ثمة هوة في التقييم المادي لعملهم بينهم وبين أمثالهم في مؤسسات أخرى؛ ولو أعطي أساتذة التعاقد بالساعة في الجامعة إياها بدل أتعاب يقارن ولو من بعيد بما يعطى للمتعاقد مع تفرغ أو لأستاذ المِلاك، لما كان هذا التهافت والتهالك الآن على التفرغ للتعليم فيها، بعد حصول أساتذة الجامعة من المتفرغين ومن هم في المِلاك على حقهم في زيادة بدل أتعابهم بنتيجة إضراب دام قرابة خمسين يوماً. غير أن الإدارة قررت، ومن دون أي مستند أو مسوِّغ قانوني، أنْ لا حق للمتعاقدين بالساعة منذ زمن مع الجامعة من موظفين في باقي الإدارات والمؤسسات في الترقي الوظيفي حتى ولو حازوا، وهم في الوظيفة، الشهاداتِ الأكاديميةَ المطلوبة، وعليهم أن يلزموا أماكنهم المتواضعة إلى أبد الآبدين ودهر الداهرين! أما أن يكون مقررو المصائر هؤلاء قد خرجوا هم أنفسهم من رحم الوظيفة الأدنى رتبة وراتباً إلى رحاب التفرغ للتعليم الجامعي الذي تحسنت ظروفه مؤخراً، ويحجبوا هذه الإمكانية عن غيرهم، فهذا يصح فيه قول الإمام علي: لماذا استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا! وهل من ضحى لأجل مؤسسته وجامعته سنوات وسنوات، بدلا من أن يكافأ بترقية تقابل ما قدمه من خدمات، يعامل كقولهم في المثل الشعبي: كل جديد له رهجة وكل عتيق له دفشة؟! إن القانون يجب أن يسري على الجميع وفي جميع الأوقات منذ بدء سريانه. وإلا لأصبح القانون كعربة حصانٍ غير محكمة، "تطوطح" يمنةً ويسرةً عند كل منعطف. فكم أستاذٍ جامعي بقي سنوات وسنوات يدرّس على أساس التعاقد بالساعة ولم يصل إلى التفرغ حتى بلوغه السن القانونية أو وصل إليه قبيل بلوغها وبعد جهد جهيد، فيما غيره فُرِّغ للتدريس حال إنهائه دراساته العليا، ومن دون أن يستوفي شرط العدد الكافي من ساعات التدريس قبل ذلك. وكم منهم من انتقل من التعليم الابتدائي والثانوي إلى سلك الجامعة فأفاد واستفاد من هذا الترقي في رتبته وراتبه، ومن بين هؤلاء عمداء في الجامعة ورؤساء لها. وإذا كان المطلوب مقتصراً، كما أعلن الرئيس الحالي للجامعة د. عدنان السيد حسين، على أن "عندنا متخرجين نريد تأمين فرص عمل لهم"[1]. أفلن ينعكس هذا المبدأ سلباً على مستوى التحصيل الجامعي، فيما المطلوب أساتذة أكفاء ذوو خبرة سابقة؟ وما دامت الجامعة "بحاجة إلى 700 أو 800 أستاذ" للتفرغ، فهل يبقى "يكارى فيها على ظهر" 2800 أستاذ متعاقد بالساعة بأجر ضئيل دون أن يكون لهم أمل بالوصول إلى ما صبوا إليه وضحوا من أجله طويلاً؟ هؤلاء غير ملزم بهم أحد، وأخذوا حصتهم من خيرات الدنيا، فيما المحظوظون سياسياً من المتخرجين حديثاً أو من المتعاقدين غير الموظفين هم الأكفأ لسد الحاجة؟ وحتى لو لم يكن يبقى للموظف الطامح إلى التفرغ إلا بضع سنوات من الخدمة في مؤسسته، فهل يمكن استبعاده من "جنة" التفرغ الجامعي على الرغم من خبرة ذاك المديدة؟ القاصي والداني بات يعرف أن الجامعة الوطنية لم تنجُ من لعبة التحاصص في ما بين أطراف الإقطاع السياسي والمالي والطائفي والمذهبي. فمن ليس مرضياً عنه لا يعطى العدد الكافي من الساعات ليتفرغ للتدريس، فيما غيره يعطى ما يكفي وأكثر، وحتى المستوفي هذا الشرط الأكاديمي قد لا يستوفي شرط الانتماء الطائفي أو الانتماء السياسي، موالياً كان أو معارضاً، فيبقى على قارعة الطريق والقافلة تهرع من دونه. والأسماء، بخلاف ما يقال، تطرح من وراء الكواليس، ومن وراء ظهور الأقسام ورؤساء الأقسام، و"تجوجل" في "غربال" التدخلات المذكورة أعلاه. والمطلوب أن يتم الاختيار بموضوعية حسب قوانين الجامعة. ناهيك بأن لا رابط يربط التعليم الجامعي بمؤسسات الإنتاج ولا تبادل للخبرة، ولا تزاوج بين النظرية والتطبيق. طلاب الجغرافيا مثلا يقولون لي إنهم لم يحصلوا في يوم من الأيام على أي تدريب حقلي في المواد التي يدرسونها. فهل ستبقى لنا جامعة وطنية لأبناء الأغلبية الشعبية نفخر بها ونطمح إلى رفع مستواها الأكاديمي لتضاهي جامعات العالم الأخرى، أم ستكون جامعتنا مؤسسة تربوية عالية المقام اسماً، ولكن تنخرها فعلاً جرثومة الفساد والمحسوبية والطائفية والمفاضلة غير العلمية؟ [1] حسان الزين. رئيس الجامعة اللبنانية يدافع عن ملف التفرغ: "نتعرض لضغوط سياسية من التعاقد". جريدة "السفير"، 21/5/2012

الفئة: مقالاتي | أضاف: Michelya (25.10.2012)
مشاهده: 420 | الترتيب: 0.0/0
مجموع المقالات: 0