الرئيسية » مقالات » مقالاتي

مجزرة النرويج: ارهاب سياسي نظمته الدولة ووسائل الإعلام وإسرائيل (الجزء الثاني والأخير من المقالة)

بقلم الكاتب الأميركي اليساري جيمس بيتراس – ترجمة ميشال يمين تفجير مكتب رئيس الوزراء النرويجي والمجزرة السياسية في 22 يوليو/تموز عام 2011 اللذان قام بهما نصير الفاشية الجديدة المسيحي المتصهين اندرس بريفيك، ما أسفر عن مقتل 68 من الناشطين الشباب العزل من حزب العمل النرويجي في جزيرة أوتويا بالقرب من أوسلو، يطرحان بعض الأسئلة الأساسية المتصلة بالعلاقة بين اليمين المتطرف المشرعن و"وسائل الإعلام العالمية الرئيسية"، والشرطة النرويجية واسرائيل وأوكار الإرهاب اليميني. سوبرمان فاشي يتنقل بسرعة السهم، وشرطة تزحف كالسلحفاة! الحجج القائلة بأن القاتل هو "ذئب إرهابي مستوحد" لا تصمد أمام النقد. فمثل هذا الكذب يستخدم لتغطية تواطؤ الدولة وإجرام المخابرات والتوجهات اليمينية الحادة في السياسة الداخلية والخارجية لحلف شمال الاطلسي. فليس هناك من سبب لقبول زعم بريفيك في البداية انه تصرف بمفرده، وذلك لعدة أسباب هامة: أولا، لأن السيارة المفخخة التي دمرت وسط أوسلو كانت سلاحا معقداً جدا يتطلب معرفة متخصصة وتنسيقاً لا يمتلك ناصيته إلا دولة أو مخابرات مثل الموساد، وهي المتخصصة في زرع السيارات المفخخة. أما الهواة امثال بريفيك فهم عادة، لكونهم من دون تدريب خاص في مجال المتفجرات، إما يفجرون أنفسهم بها، وإما لا يتمكنون من توصيل أجهزة التوقيت الإلكترونية بالمفجِّر، كما حدث مع الكثيرين من هؤلاء في أمكنة عديدة. ثانياً، لأن أنشطة مثل نقل القنابل والحصول على وسائل نقلها (أو سرقة وسائل النقل هذه)، وزرع العبوة الناسفة في موقع استراتيجي، وتفجير الجهاز بنجاح، والاستحواذ على زي خاص بالشرطة وترسانة من الذخيرة كافية لمئات الطلقات، والانتقال إلى سيارة أخرى لتقله نحو جزيرة اوتويا، والانتظار بصبر على متن العبارة، والاختلاط بالآخرين من ركاب العبارة وصولاً إلى موقع وجود الناشطين من حزب العمل، وارتكاب مذبحة في حق عشرات من الشبان العزل، والإجهاز على الجرحى وملاحقة الذين يحاولون الفرار والابحار بعيدا – كل هذا لا يمكن أن ينفذه فرد واحد. حتى الجمع في شخص واحد بين السوبرمان وآينشتاين وبطل العالم في الرماية من غير المرجح أن يعطي مثل هذه النتيجة. يبدو أن وسائل الإعلام وقادة حلف شمال الاطلسي يرون في الرأي العام مجموعة من الحمقى إذا كانوا يريدون منه أن يصدق أن اندرس بريفيك "تصرف بمفرده". وبريفيك مستعد لقبول السجن لمدة 20 سنة إذا كان عمله هذا سيلهم رفاقه التحركَ والقيام بعمل جماعي، وسيفيد في تأجيج العنف والصراع المشرعن الذي تخوضه قوى اليمين المتطرف. فهو حين مثل أمام القاضي النرويجي في 25 يوليو/تموز 2011، أعلن على الملأ وجود "خليتين أخريين في منظمتي". وقد قال الشاهدون على المجزرة أن إطلاق النار تم في جزيرة أوتويا من نوعين من الأسلحة ومن اتجاهات مختلفة. وزعمت الشرطة أنها تقوم بـ"التحقيق". وإنه لغني عن القول أن هذه الشرطة لم تعثر على شيء. فهي بدلا من التحقيق الفعلي نظمت ما يشبه العراضة التي تستر تقاعسها، فمشطت منزلين قائمين بعيدا من مكان ارتكاب المذابح ولجأت بسرعة إلى الافراج عن المعتقلين هناك. أما أوخم العواقب السياسية للعمل الإرهابي، فيبقى مع ذلك، السلوك المشبوه الذي سلكته القيادة العليا للشرطة. فقد احتاجت الشرطة نصف ساعة لتصل الى جزيرة أوتويا الواقعة على مسافة أقل من 20 كيلومترا من العاصمة أوسلو – وهذا يعني 12 دقيقة طيران على متن طائرة هليكوبتر أو نصف ساعة على الأكثر بالسيارة أو بالقارب ذي المحرك. وقد سمح هذا التأخير للقتلة اليمينيين بحصد أكبر عدد من القتلى والجرحى من عداد المناهضين للفاشية، وهو ما يقوض الحركة العمالية الشبابية أيما تقويض. وكان ما ساقه قائد الشرطةSveinung Sponheym أشبه بعذر أقبح من ذنب، حين قال انه كانت هناك "مشاكل في مسألة وسائل النقل"، وان "المروحية كانت غير جاهزة" وأنهم "لم يتمكنوا من العثور على قارب» (اسوشيتد برس، 24 يوليو/تموز، 2011). فالمروحية كانت متاحة، وكان بوسعها الوصول الى أوتويا لتصوير المذبحة على الأقل. أما بالنسبة إلى الزورق فكل مقيم من النرويج من أصل اتنين يمتلك زورقاً، ذلك أن النرويجيين شعب من الملاحين. وقد تحركت قوات الشرطة، بعد أن ووجهت بتصريح رئيس الوزراء أن المجزرة "أسوأ الفظائع المرتكبة منذ الاحتلال النازي"، نحو مكان المأساة كالسلاحف التي تعاني من التهاب في المفاصل. وهذا لا يمكن إلا أن يرخي ظلاله على تورط لرجال الشرطة في ارتكاب الجريمة. وينطرح هنا سؤال كبير حول درجة تغلغل الفكر اليميني المتطرف، فكر الفاشية الجديدة، في صفوف أجهزة المخابرات، وخصوصا حول مدى انتشاره بين ذوي الرتب العليا في الشرطة. هذا المستوى من "التراخي" يثير أسئلة أكثر مما يعطي أجوبة. ويمكن افتراض أن الاشتراكيين الديموقراطيين لا يسيطرون إلا على جزء فقط من الحكومة والسلطة التشريعية، فيما يملك الفاشيون الجدد النفوذ الأقوى في أجهزة الدولة عموماً. إن الحقيقة الصارخة هي أن الشرطة لم تتمكن من أن تنقذ ولو حياة شخص واحد! وعندما وصل رجالها أخيرا إلى المكان، كان بريفيك قد استخدم كل الذخيرة التي بحوزته، فسلم نفسه طواعية للشرطة. فالشرطة لم تطلق طلقة واحدة، وهي حتى لم تتعقب القاتل. يا له من سيناريو مرعب: مئات الجرحى، 68 قتيلاً أعزل من بين نشاطى حركة العمال الشبابية وتدمير للحركة نفسها. قد تعلن الشرطة "كشف النقاب عن حيثيات الجريمة"، وتتحدث وسائل الاعلام عن "القاتل الفرد". وبذلك يكون اليمين المتطرف قد حصل على "شهيد" هو مثابةُ قناع للحملة الصليبية المناهضة للإسلام والممالئة لإسرائيل (كل هذا يذكرنا بالفاشي الشهير والقاتل بالجملة الدكتور باروخ غولدشتاين قاتل عشرات الفلسطينيين الذين كانوا يصلون في مسجد الآباء في الضفة الغربية في عام 1994). فقبل يومين فقط من حصول المجزرة، أعلن رئيس الحركة العمالية الشبابية اسكيل بدرسون في مقابلة مع جريدة "داجبلاديت" النرويجية الأكثر شعبية عن ضرورة "مقاطعة اقتصادية نرويجية لإسرائيل من جانب واحد» (جلعاد أتزمون، يوليو 24، 2011). ليست لدى الجيش النرويجي أية مشكلة في ما يتعلق بمشاركة 500 جندي في احتلال أفغانستان البعيدة جداً من النرويج، وبتوفير ست طائرات نرويجية مع طيارين لقصف ليبيا وترويع سكانها. ومع ذلك هم لم يستطيعوا العثور على طائرة هليكوبتر أو قارب لإيصال الشرطة على بعد بضع مئات من الامتار إلى الجزيرة المنكوبة من أجل وقف مواطنها النرويجي الإرهابي عند حده، هذا الذي وصف ضحاياه الشباب لذويهم المفجوعين ثانية بثانية عبر هواتفهم النقالة جموحه الحيواني الوحشي. الجذور الامبريالية للفاشية المحلية من الواضح ان قرار النرويج والدول الاسكندينافية الأخرى المشاركة في الحملات الصليبية للامبريالية الأميركية ضد الشعوب المسلمة، وخاصة ضد الشعب العربي في الشرق الأوسط، قد حفز وعزز وضع الفاشيين الجدد اليمينيين. فهم يريدون الآن "جلب الحرب إلى ديارهم"، يريدون أن تسير النرويج قدماً في عملية "تطهير الأمة" بطرد المسلمين، يريدون "ارسال اشارة" إلى حزب العمال: فإما أن يأخذ بالأجندة الفاشية الجديدة المؤيدة لإسرائيل بحذافيرها، وإما ستنتظره مجازر جديدة، ومزيد من الفاشيين، وحتى مزيد من أتباع اندرس بيرينغ بريفيك. إن "حزب التقدم" هو الآن ثاني أكبر حزب سياسي في النرويج. فإذا فاز ائتلاف "المحافظين" على حزب العمل، فإن الفاشيين الجدد سوف يجلسون على الأرجح في الحكومة. ومن يدري، فإنهم بعد عدة سنوات من السلوك الحسن قد يجدون ذريعة لصديقهم السابق، فيعيدون النظر في الحكم الصادر بحقه... أو يعلنون أنه استعاد سلامته العقلية وبات ممكنا إطلاق سراحه. ومن الواضح أن الأمر بات يتطلب انسحاباً فورياً لجميع الجنود والضباط النرويجيين من الحروب الإمبريالية ونضالاً منتظماً ودؤوباً ضد الارهابيين اليمينيين المحليين وعرابيهم الروحيين في أميركا وإسرائيل وأوروبا. ويجب على الشبيبة العمالية أن تواصل مطالبتها الحكومة العمالية برئاسة رئيس الوزراء جين شتولتنبرج وإلحاحها عليها أن تعترف بالدولة الفلسطينية وأن تفرض مقاطعة شاملة على البضائع والخدمات الإسرائيلية. وينبغي تنظيم حملة سياسية وتربوية وطنية ودولية لفضح العلاقة بين الفاشيين من الأحزاب "المحترمة" المشاركة في المعارك الانتخابية والإرهابيين اليمينيين. ويجب ان تدرَّس مثل ومعتقدات ضحايا الإرهاب من الناشطين الشباب في جزيرة أوتويا البائسة في جميع المدارس. وينبغي أن يفضَح ويدان خصومهم اليمينيون المتطرفون والمتواطئون معهم خفية، أو المشاركون معهم مباشرة في ارتكاب الجريمة النكراء. وإن افضل سلاح ضد الهجمة الفاشية الجديدة لهو الهجوم السياسي والتربوي المؤدي إلى إحياء التقاليد الكفاحية الموروثة عن الأجداد في مكافحة الفاشية من قبل الناشطين الشباب في الحركة العمالية اليوم. ولم يفت بعد الأوان لأن يبدأ حزب العمال والنقابات النرويجية والشباب المناهض للفاشية التحرك منذ الآن، وقبل أن تأتي الفاشية الصاعدة مجدداً على الأخضر واليابس. المقالة الأصلية هي على العنوان الآتي: http://petras.lahaine.org/?p=1869



المصدر: http://michelyammine.ucoz.com/publ/0-0-0-0-1
الفئة: مقالاتي | أضاف: Michelya (21.08.2011) | الكاتب: ميشال يمّين E W
مشاهده: 447 | الترتيب: 0.0/0
مجموع المقالات: 0