الرئيسية » مقالات » مقالاتي

الدولة الفلسطينية الضائعة بين التسويف الأميركي والرفض الإسرائيلي والعجز العربي - 1
الدولة الفلسطينية الضائعة بين التسويف الأميركي والرفض الإسرائيلي والعجز العربي د. ميشال يمّين بدلاً من المقدمة: تحولات السياسة الأميركية الداخلية وتأثيراتها الخارجية إسرائيلياً كانت إدارة كلينتون السابقة في الولايات المتحدة متداخلة شديد التداخل مع الأوساط اليهودية في هذا البلد، وكانت تضم عددا كبيرا من اليهود في الدوائر وسائر البنى الرسمية الرئيسية، وكانت لها التزامات سياسية وأيديولوجية تجاه الحكومة والنخبة الصهيونية "اليسارية" في إسرائيل. ومن هنا كان النفوذ اليهودي، الصهيوني حكماً، يقرر إلى حد بعيد الرؤية السياسية الخارجية للولايات المتحدة في ظل حكم الحزب الديموقراطي. ولم تكن أيضا بعيدة عن مفاعيل هذا النفوذ السياسة الداخلية الأميركية ببرامجها وإصلاحاتها الاجتماعية. وحاول حزب العمل الإسرائيلي بالتعويل على هذا النفوذ أن يجر فلسطين وسوريا إلى اتفاقات كمب ديفيد التي كان الرئيس الأميركي جيمي كارتر قد فرضها على مصر. فتسوية نزاع الشرق الأوسط كان مفترضا بالنسبة إلى الرئيس كلينتون أن تضحي عاملا هاماً من عوامل نجاح الحزب الديموقراطي في انتخابات العام 2001. وسعى كلينتون إلى تأمين سلام مديد في المنطقة على أساس تسوية "شاملة" تضمن لإسرائيل الوجود الآمن وللولايات المتحدة علاقات تشارك متشعبة مع الدول العربية. هذه المقاربة ارتكزت على سياسة خارجية أميركية افترضت أن على الولايات المتحدة أن تتحمل المسؤولية عن كل أمر جلل في العالم. غير أن الثمانينات من القرن الماضي أخذت تشهد تأزم وضع الأوساط اليهودية الأميركية فكرياً وسياسياً، وكان مرد هذا إلى فقدان اللوبي اليهودي احتكاره للنفوذ على الإدارة الأميركية، إذ بدأت تظهر مجموعات نفوذ أخرى تمثل مصالح براغماتية وترتبط بكبرى الشركات الأميركية، كما أخذت تتوسع شقة التناقض فيما بين الولايات المتحدة وإسرائيل حول مسائل جوهرية مثل وجود الدولة العبرية ومصالحها الحيوية الجذرية، وتبرز علائم معاداة "جديدة" للسامية! (قل لإسرائيل) في الولايات المتحدة. وقد زاد في تفاقم هذا الاتجاه أيضا موقف الاتحاد الأوروبي "الموالي للعرب" وانهيار الاتحاد السوفياتي والمعسكر الشرقي. ذلك أن العنصر الأخير جعل الاهتمام الأنغلو-سكسوني بالعنصر "اليهودي" كمحارب على جبهة الصراع مع الاتحاد السوفياتي ينحسر انحسارا كبيرا. كما اشتد التنافس اليهودي العربي على خطب ود الولايات المتحدة ومحاولة التأثير في الرأي العام الأميركي والإدارة الأميركية مع اشتداد ساعد بعض العرب اقتصادياً واغترابياً. فبرز في هذا المجال عدد من الدول العربية كالسعودية (بقدراتها المالية النفطية) ومصر ولبنان (بمبادراتهما الدبلوماسية وبالاستفادة من الوجود الاغترابي والتنظيمات الإسلامية في الولايات المتحدة). وقد جهدت النخبة السياسية اليهودية في ظل هذا الوضع لتصحيح مسار أنشطتها في المجتمع الأميركي ولتغيير المرتكزات الأيديولوجية للسياسة الإسرائيلية، ما عنى تحولاً نحو اليمين في الثمانينات في إسرائيل على صعيد السياسة والمجتمع، وتخلياً عن الأفكار "الاشتراكية" الصهيونية التقليدية (المتمثلة في حزب العمل)، وفسح الطريق أمام وصول حزب الليكود واليمين الصهيوني إلى السلطة ليحدد مدى سنوات عديدة، لا تُعرف لها نهاية بعد، نوعيةَ القرارات الاستراتيجية التي تغيرت تغيرا جذرياً بعد اغتيال رابين. وأظهر تشكيل حومة إسرائيلية برئاسة أرييل شارون أن فترة ولاية بنيامين نتانياهو القصيرة لم تكن سوى حدث طارئ، وأن نظاماً يمينياً وقومياً متعصباً سيسود في إسرائيل لفترة طويلة. ولعبت توجهات السياسة الأميركية دوراً هاماً في إعادة توزيع القوى السياسية في إسرائيل. ففي ظل هيمنة الجمهوريين واليمين المديدة في الولايات المتحدة كانت تتخذ في إسرائيل الإجراءات الآيلة إلى "إنهاء" حقبة الليبراليين اليساريين و"الاشتراكيين" الصهاينة (حزب العمل وغيره) الذين أسسوا دولة إسرائيل وبدء إصلاحات يمينية جذرية في الاقتصاد والسياسة وإجراء تغيير على صعيد الوعي الاجتماعي في إسرائيل. وسعى اليمين الإسرائيلي، بدعم من الأوساط اليهودية اليمينية في الولايات المتحدة، إلى تعزيز مواقعه في الكنيست والحكومة مستفيداً من المشاكل الاقتصادية الداخلية التي خلفها حكم حزب العمل في فترة الثمانينات المعتبرة مثابة "الوقت الضائع" بالنسبة إلى الاقتصاد الإسرائيلي. وجاءت نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2001 التي جرت في ظل أجواء مناهضة لإسرائيل (في خارج الولايات المتحدة أكثر مما في داخلها) لتبين أن يهود الولايات المتحدة أعطوا أصواتهم بنسبة 87 بالمائة إلى مرشح الحزب الديموقراطي آل غور. وهنا لا بد من أن نلفت إلى أن "العداء للسامية" غير منتشر في أوساط الأميركيين الذين يؤيدون الحزب الجمهوري. فحتى البروتستانت البيض من مختلف الطوائف والشيع البروتستانتية، وفي الولايات الجنوبية بالذات، يؤيدون التشارك مع إسرائيل والأوساط اليهودية وينظرون دينياً إلى اليهود نظرتهم إلى "شعب الله"، ويشككون، بالمقابل، في صحة وضرورة التعاون مع الدول العربية والإسلامية. ومن نافل القول أن الأجواء المعادية للإسلام والمسلمين تتعزز في بيئة كهذه. ولئن كان الصراع خلال الحملة الانتخابية الرئاسية عام 2001 بين أنصار الليبرالية اليسارية والكوسموبوليتية (الحزب الديموقراطي والنخب اليهودية) وأنصار النزعة التقليدية الأميركية والتعصب القومي ذي الحلة الجديدة والتمسك بأولوية المصالح الأميركية (الحزب الجمهوري) قد أسفر عن فوز الجمهوريين، فإن هؤلاء على رغم تمسكهم بالأصولية المسيحية يتسم موقفهم من إسرائيل بالازدواجية. فهم على الرغم من موقفهم الديني المتعاطف معها يبدون مزيدا من البراغماتية تجاهها إذ ينظرون إليها كمشكلة لا حل لها من حيث المبدأ، ومن شأنها أن تضر أيما إضرار بالمصالح القومية الأميركية في المدى البعيد. وقد لجأ الرئيس بوش الأصغر إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية في الولاية الأولى له إلى إحداث "تطهير" في وزارة الخارجية والبنتاغون ومعاهد التحليل السياسي الأساسية العاملة لصالح الحكومة والمساهمة في تكوين السياسة الأميركية. وجاء هذا التطهير بأشخاص يمينيين ذوي أفكار محافظة إلى أعلى المناصب. واتسم بأهمية كبيرة معهد سياسة الشرق الأوسط في واشنطن المتعاطف جدا مع إسرائيل ولكن ذو التوجهات اليمينية المتشددة. وهذا الرأي سائد في أوروبا أيضاً. ففي هذا السياق يرى مثلا الرئيس السابق للبرلمان الأوروبي أوتو هابسبورغ-لوثرينغن Otto Habsburg-Lothringen أن "المواقع القيادية في وزارة الدفاع الأميركية يحتلها يهود. فالبنتاغون هو اليوم مؤسسة يهودية" كل همها حماية إسرائيل ("Der Standard”، النمسا، 20 ت2 2002). غير أن البلدان العربية لا تميل إلى إعطاء أهمية كبيرة لما يظهر وكأنه تباعد بين إدارة بوش والأوساط اليهودية. فالولايات المتحدة، برأيها، سوف تواصل حيال إسرائيل سياسة التشارك الاستراتيجي القديمة معها. وإسرائيل، الشريك التقليدي الوفي للولايات المتحدة، مستعدة للمضي قدماً في القيام بدور جغراستراتيجي هام في المنطقة. وإلى جانب ذلك، ليست هناك دولة عربية واحدة، أيا تكن "تضحيات" الولايات المتحدة المادية والسياسية تجاهها، قادرة على أن تصبح كمثل هذا الشريك وفاء وإخلاصاً لها. ففيما عدا القضية الفلسطينية وقضية هضبة الجولان ومزارع شبعا يبقى للعالم العربي الذي هو نموذج مصغر عن العالم الإسلامي عدد من المآخذ على الولايات المتحدة في غير المسألة الفلسطينية والنزاع العربي الإسرائيلي. فمن بين مآخذ النخبة السياسية والمالية النفطية مثلا تلك المتعلقة بسياسة الولايات المتحدة في مجال الطاقة والاقتصاد وبتنافس الرساميل وباللامساواة في التعاون الاقتصادي، ويأخذ المثقفون العرب على الولايات المتحدة محاولة فرضها بالقوة طرقاً ونماذج للتطور الاجتماعي تندرج في إطار العولمة الأميركية الطابع، ولكنها لا تنسجم، حسب اعتقادهم، مع التقاليد السياسية العربية، وهو ما يحدوهم على معاداتها حتى اعتبارها مثابة الشيطان الأكبر الذي لا بد من مقاتلته في كل رقعة من رقاع العالم. فلن يكون إذاً أمرا ذا معنى، من وجهة النظر الأميركية، أن تتخلى الولايات المتحدة عن إسرائيل كبلد يقدم لها الخدمات الجغراستراتيجية الجلّى في ظل تعذّر العثور على دولة عربية تكون لها مثابة الشريك الاستراتيجي الحقيقي. وإسرائيل المسالمة المسامحة المتعاونة مع الدول العربية ليست الولايات المتحدة بحاجة إليها البتة. فهي، على عكس ذلك، بحاجة إلى إسرائيل مقتدرة مقاتلة تساعدها على أن تسيطر على المنطقة، إلى إسرائيل تكون مثابة ميدان جغراسياسي وقلعة عسكرية للغرب، ليس ينقصه لأجل اعتبارها جزءا منه يدافع عنه في كل محنة سوى القدرة والقحة السياسية وحسب. ولذا كثرت المشاريع التي طرحتها الإدارة الأميركية الحالية لتسوية نزاع الشرق الأوسط حتى الآن فيما تدور رحى حرب عربية إسرائيلية جديدة اسمها الانتفاضة الفلسطينية. إلا أن كل هذه الصيغ والمشاريع والأفكار ليست لها إلا أهمية دعائية وحسب. ويمكن زعم أن عدم تطابق المواقف الأميركية مع مصالح العرب هو الذي وضع حداً للحوار المتّسم بالتسامح بين الغرب والعالم الإسلامي، وليس أحداث الحادي عشر من أيلول، وهو ما اتخذ شكل صراع حضارات يجلبب صراع العالم المتقدم على ثروات العالم المتخلف، وإن كان صراع الحضارات هذا يطمسه تفرد الولايات المتحدة بدور يعتّم على دور أوروبا وروسيا ويزيحهما "من الدرب"، مثلما "تطمسه" الفرقة والخلافات القائمة بين مختلف البلدان العربية منذ زمن بعيد والتناقضات بين الدول الإسلامية التي تنتمي إلى مجموعة حضارية واحدة، وكذلك احتمالات أن تصبح إسرائيل مستقبلا- ويا لسخرية القدر!- شريكاً لدول عربية أرغبَ إلى أفئدة حكام هذه الدول من التشارك مع دول عربية أخرى. 1- تغير أولويات السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط
تعزى بداية تبلور المصالح والأغراض الحالية للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط في عهد جورج بوش الأصغر عادة إلى أحداث 11 أيلول عام 2001. والحقيقة أن السياسة الأميركية حيال مشاكل الشرق الأوسط بدأت تأخذ منحى جديدا منذ أواخر عهد كلينتون دون أن يتسنى لهذا المنحى البروز لقصر الوقت في نهاية الولاية وعدم وجود المتسع الضروري من الحرية للإعلان عن إعادة النظر في هذه السياسة، نظراً لحلول موعد الحملة الانتخابية بين نهاية عام 2000 وبداية عام 2001 وما تفرضه من قواعد لا بد من مراعاتها في مجال استجداء عطف اللوبي اليهودي. وقد جاءت سياسة بوش وفريقه وخطابهما السياسي حيال الشرق الأوسط أوضح في الإعلان عن مُثل المجموعة السياسية الراديكالية المحافظة التي تعكس مصالح ذوي النزعة القومية والتقليدية الجديدة في المجتمع الأميركي.
فتسوية نزاع الشرق الأوسط لم تعد تهم كثيرا الولايات المتحدة للأسباب الآتي ذكرها: - تحولت إسرائيل بنتيجة أدلجة السياسة الخارجية الأميركية في عهد كلينتون من عامل يضمن حماية المصالح الأميركية إلى كيان يحتاج هو نفسه إلى حماية وضمان لأمنه، وإلى جهود وموارد سياسية ضخمة غير مبررة. فإسرائيل لم تعد تقوم بوظيفة الشريك الاستراتيجي المكتفي بذاته، بل أضحت عامل بلبلة شاملة للأوضاع وتقويض للمبادرات الأميركية الاستراتيجية. - بات العامل الإسرائيلي ومشكلة الشرق الأوسط عموما وسيلة تستخدمها القوى السياسية النافذة في الولايات المتحدة المشكلة جزءا من الحزب الديموقراطي في الصراع السياسي ضد الخصوم الجمهوريين. ولئن كان الإجماع قائما خلال العقود الثلاثة السابقة بين مختلف القوى السياسية في الولايات المتحدة حيال دور إسرائيل ونزاع الشرق الأوسط، فإن الآراء والمواقف في هذا المجال أخذت الآن تلحظ افتراقا واستقطاباً، ربما تجاوز القطبين إلى ما هو أكثر. - بعد اتفاقات كمب ديفيد المصرية الإسرائيلية عامي 1977-1978، أي في خلال السنوات الخمس والعشرين الأخيرة حصل تعجيل في تكامل النخبتين السياسية والاقتصادية الأميركية والعربية. فبات عدد كبير من الدول العربية بنتيجة ذلك مثابة شركاء اقتصاديين وحلفاء سياسيين أمناء للولايات المتحدة. وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي راحت الدول العربية الأشد تأدلجاً والأكثر تقرباً منه، ولا سيما سوريا وليبيا، تتقرب من الغرب وتبدي حرصاً على إقامة علاقات ثقة متبادلة مع الولايات المتحدة. ولقد أودع في الولايات المتحدة قسم كبير من رأس المال العربي الرسمي والخاص (قرابة 900 مليار دولار)، وهو ما يتوقف عليه إلى حد بعيد ازدهار الاقتصاد الأميركي واستقرار نموه. وكان الصلح المصري الإسرائيلي هنا مثابة نقطة انطلاق لهذا التكامل. ولا تشكل حيثيات النزاع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية حاليا أي عقبة عملياً في وجه المزيد من التقارب الأميركي الإسرائيلي. ولربما كانت مخاوف الجزء الراديكالي من النخبة السياسية العربية حيال تسارع تقارب النخب العربية عموما مع الولايات المتحدة عاملا حاسماً في مجال تدبير أحداث الحادي عشر من أيلول. - لا تربط إدارة بوش تسوية نزاع الشرق الأوسط (وبالأخص القضية الفلسطينية) بالتكامل لزاماً فيما بين إسرائيل والدول العربية. فلعل فريق بوش يرى أن كمّاً هائلا من المال والجهود السياسية قد وظِّف في إسرائيل، فلا يسع الولايات المتحدة أن تفسح المجال لإسرائيل كي تستنفد وظيفتها التاريخية والجغراستراتيجية (أي كي "تحيل نفسها إلى التقاعد"). فإسرائيل يجب أن تواصل القيام برسالتها ودورها في المنطقة، وليس فيها فقط، بل ربما في كل منطقة أوراسيا الممتدة من الشرق الأوسط وتركيا غربا حتى شواطئ المحيط الهادئ شرقاً، كممهدة ومسوِّقة لإنفاذ السياسات والمصالح الأميركية في هذه الرقعة الجغرافية الشاسعة. في هذا السياق تخلت الولايات المتحدة عن مبدإ عدم جواز قيام أحلاف سياسية وعسكرية إقليمية وراحت تسعى إلى قيام حلف إسرائيلي تركي أردني يبقى مفتوح الأبواب لانضمام آخرين إليه. ومعلوم ما قامت وتقوم به إسرائيل من نشاط سياسي محموم في منطقة جنوب القوقاز وآسيا الوسطى، وحتى في أفغانستان (حتى في ظل حكم "الطالبان" أيضا). ومن بين البدائل التي تسعى إليها الولايات المتحدة إقامة حلف موالٍ لها يشارك فيه عدد من الدول العربية. وقد كانت تتوالى الضغوط حتى على سوريا في كل الاتجاهات قبل احتلال الأميركيين للعراق من أجل أن تنضم إلى هذا الحلف، وذلك بغية منع نشوء حلف خطر جدا على الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا كان مفترضاً أن يضم إيران والعراق وسوريا وأن تدعمه بهذه الطريقة أو تلك بلدان أخرى مثل لبنان واليونان وقبرص وأرمينيا وغيرها. ومن هنا نفهم أهمية احتلال العراق بالنسبة إلى الأميركيين كوسيلة لقطع التواصل الإيراني العربي الراديكالي، بعد أن كان احتلال فلسطين في عام 1948 وسيلة لقطع حبل التواصل العربي فيما بين مشرق العالم العربي ومغربه. - تدنت إلى الحد الأدنى عمليا مواقع روسيا ونفوذها في الشرق الأوسط بعد أن وجهت في بداية التسعينات جل اهتمامها نحو العلاقات مع أوروبا والولايات المتحدة، وحجمت علاقاتها مع كل "العالم الثالث" تقريبا باعتبارها علاقات "مؤدلجة" موروثة من سياسة الاتحاد السوفياتي الخارجية سابقاً. ولن تستطيع الصين طبعاً أن "تحل محل" الاتحاد السوفياتي، خصوصاً لما تبديه من حرص على الحصول على تقنيات عسكرية وغير عسكرية من إسرائيل، ناهيك بالتوظيفات الأميركية والغربية الضخمة في اقتصادها. ومن مفارقات الأمور أن يدنّي خسران روسيا لمواقعها في الشرق الأوسط من أهمية الدور الإسرائيلي بالنسبة إلى الولايات المتحدة. وهذا ما يغير في الوظيفة الاستراتيجية لإسرائيل ويحدو الأميركيين على إعادة النظر في تلك الوظيفة. - ليست الولايات المتحدة مهتمة بتسوية القضية الفلسطينية، وبتسوية نزاع الشرق الأوسط عموما، بقدر ما هي مهتمة بضمان الأمن الإقليمي، ومن خلاله "الأمن القومي الأميركي" في المنطقة. ولعل فريق بوش لا يربط مفهوم تسوية النزاع (الإسرائيلي الفلسطيني مثلا) بالتوصل إلى تعايش آمن ومستقر في المنطقة. وإذا أخذنا في الحسبان بروز القضية العراقية بعد الاحتلال الأميركي لهذا البلد العربي، والدعوات الخطرة لمكافحة الإرهاب في كل مكان من العالم، فإن القضية الفلسطينية أخذت تبدو وكأنها قضية خاصة، جزئية، على عِظَم أهميتها. ذلك ان قضية فلسطين والقدس والقضية العراقية، باتتا الآن حجة لمبادرات وتصرفات هدامة وخطرة جدا أحياناً بالنسبة إلى الأميركيين في العالم الإسلامي. بينما لا نرى سوى عدم اكتراث من قبل النخب الحاكمة في معظم البلدان العربية بفكرة استرجاع العرب للقدس وبالأخص إنشاء الدولة الفلسطينية. وهنا يمكن أن نستشهد بما قاله مثلا السفير الأردني في لبنان[1]، وهو دون ريب يمثل وجهة نظر أردنية رسمية، في معرض التحدث عن مسجد الأقصى في القدس، من أن "ثمة في العالم كله مساجد إسلامية، ولكن هذا لا يعني أن علينا أن نستولي عليها كلها". ولا بد من القول إن أفكارا مماثلة منتشرة جدا بين أوساط المثقفين والساسة العرب من ذوي التوجه المغربن. - إن نزاع الشرق الأوسط والساحة السياسية لتسويته قد كف عن أن يكون أداة تأثير أميركي فاعل في المنطقة، وبالأخص في السياسة النفطية. فبعد فقدان روسيا لمواقعها في الشرق الأوسط واستبعاد آفاق تنامي نفوذ الدول الأوروبية والصين فيه، وهو ما كان وراء رفضها المشاركة في الحرب الأخيرة على العراق (باستثناء بريطانيا، حليف الأميركيين الدائم في القارة الأوروبية)، وما نجم عنه تاليا من تثبيت لهذا الإخراج، أخذت سياسة الولايات المتحدة في المنطقة ترتبط بقضايا النفط وموارده في منابعه الأصلية. فالمهام الجغراستراتيجية الصرف باتت ذات مضمون جديد، وهو ما جعل الأهداف العامة للولايات المتحدة ذات الصلة بضمان أمنها في مجال الطاقة تكتسب ملامح أشد وضوحاً وسفوراً، ولا تحتمل اللف والدوران. فالولايات المتحدة بحاجة إلى استقرار تدفق النفط من المنطقة بأسعار مقبولة، وكل ما تقوم به يصب في خانة احتلال منابع النفط، وهو الحلم الأميركي منذ خمسينات وستينات القرن الماضي. ولذا نرى أن مواقف ومبادرات الولايات المتحدة في شأن القضية الفلسطينية خصوصا وقضية الشرق الأوسط عموما، على تباطؤها حاليا، لا بد من النظر إليها وتقييمها انطلاقا من المصالح النفطية. حيال هذه المصالح تبدو أمور أخرى كالسيطرة على السوق العربية وعلى التدفقات المالية العربية وعلى مصادر الخامات الأخرى الموجودة في المنطقة وحتى على طرق المواصلات أمورا أدنى من حيث الأهمية أو ثانوية. انطلاقاً من هذه اللوحة لتطور الأحداث السياسية في الشرق الأوسط لا بد من استعراض عدد من المسائل التي تعكس أوجهاً مختلفة لتغير الأولويات في السياسة الأميركية وفي الوضع ككل. 2. "محاربة الإرهاب" وتغير الخطاب الاجتماعي العالمي لقد أثرت أحداث الحادي عشر من أيلول فعلا في مسار السياسة الدولية، سواء أكانت مفتعلةً أم حقيقية. غير ان تأثيرها الفعلي لم يغير في الوقائع الاقتصادية والمالية والسياسية، بل فسح المجال لاستفادة نخب سياسية واقتصادية معينة من الوضع المستجد بغية كسب مواقع جديدة أفضل. فقد حصلت تغيّرات أساسية ومبدئية في الخطاب العالمي الشامل. ولئن كانت مقولات من مثل الأخطار والتهديدات "الجديدة" من جانب "الإرهاب الدولي" وغيره من الحركات "الهدامة" والنزاعات الإقليمية مطروحة أصلاً في أهم الوثائق الرسمية الصادرة في الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما من كبريات الدول، فهذه التهديدات بقيت بالنسبة إلى الرأي العام العالمي أموراً محلية وحزئية لا تعنيه بقدر ما تعني المجموعة الغربية. ولقد جاءت أحداث الحادي عشر من أيلول لتغير هذا الواقع تغييرا جذريا ولتجعل من محاربة "الأخطار الجديدة" حاجة راهنة شاملة ولتوجد "الأسس" و"البراهين" و"الحجج" العاملة لصالح إزالة مفاهيم ومبادئ السيادة الوطنية المثبتة في المواثيق الدولية منذ نشوء عصبة الأمم. واستطاعت الولايات المتحدة أن "تسحب" موضوع النقاش العالمي في هذا المضمار من بؤر النزاعات الإقليمية المحلية إلى داخلها لتضحي هي المركزَ والقلب من مشكلة مكافحة الإرهاب. ولهذا تحول نزاع الشرق الأوسط الذي بقي فترة طويلة محط اهتمام الرأي العام العالمي كمركّم لنزعات التصارع العالمي إلى نزاع جزئي تائه في بحر النزاعات العالمية. ولا شك في أن عوامل وظروفاً أخرى أيضا كانت وراء هذا، وفي طليعتها انهيار نظام التنافس والتصارع الثنائي القطبية في العالم بانهيار الاتحاد السوفياتي، غير أن تفجيرات الحادي عشر من أيلول حوّلت نزاع الشرق الأوسط إلى مرتبة النزاعات المحلية العادية بتحويلها الأنظار كل الأنظار إلى مشكلة "الإرهاب الدولي" ورأسه المدبر منظمة القاعدة وأسامة بن لادن. وهذا ما خفض من أهمية هذا النزاع بالنسبة إلى السياسة الخارجية الأميركية. والشيء نفسه يحصل بالنسبة إلى نزاعات أخرى في العالم كتلك التي في جنوب القوقاز أو في إفريقيا مثلا. وهذا ما مكن الولايات المتحدة سواء من تجاهل النزاعات إذا لم تكن تمثل تهديداً لمصالحها، أو من إحيائها إحياء مصطنعاً وتركيز الأنظار عليها إذا ما استجاب هذا الأمر لمصالحها. وهكذا بات في يد الولايات المتحدة مفتاح تقرير أولوية التدخل في هذا النزاع أو ذاك وتوتيره أو إخماده بصورة اعتباطية، وامتلكت هي "الحق" في احتكار تقرير موضوع الجدال العالمي وأولويات السياسة العالمية. 3. تغير الموقف من الحلفاء القدامى وبروز حلفاء جدد. لقد جرى تضخيم خطر الإرهاب العالمي في السنوات الأخيرة على خلفية تطورات أخرى غير مؤاتية للولايات المتحدة. ولا بد هنا أولاً من أن ننوه بتنامي استقلالية الشركاء الأوروبيين وخروجهم خروج القاصر الذي بلغ سن الرشد من تحت الوصاية وصيرورة القوات المسلحة الأوروبية والخطوات الفرنسية والألمانية وحتى البريطانية غير المسبوقة نحو تكوين مقاربات أوروبية موحدة حيال هذه أو تلك من القضايا الدولية. بديهي أن لا تكون هذه التوجهات قد أنجزت الإنجاز التام، فهي لا تزال محدودة، غير أن من أهم ما أنجزه الأوروبيون ويمكنه أن يمس المصالح القومية الجذرية للولايات المتحدة هو إنشاء العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) وقوات الرد السريع والتقارب مع روسيا ومحاولة طرح مبادرات على صعيد السياسة الخارجية تكون بديلا عن المبادرات الأميركية ونقيضا لها في أحيان كثيرة. ولذا افترض تغييرُ سلم الأولويات في العالم وفي السياسة الإقليمية "تدقيقَ" دور ومكان الحلفاء التقليديين "الراشدين" للولايات المتحدة وتوليدَ حلفاء وشركاء جدد من بين القاصرين. ولئن اتضح بعد 11 أيلول أن بين الولايات المتحدة وبريطانيا علاقات خاصة، ليس فقط على الصعيد غير الرسمي، بل أيضا رسمية (تعاهدية) تقضي بالقيام معاً بعمليات عسكرية مشتركة في مختلف مناطق العالم تتجاوز نظاق التزامات الحلف الأطلسي (الناتو)،فقد أبدت الولايات المتحدة، بالمقابل، عدم حرصٍ على مشاركة فرنسا وألمانيا وغيرهما من بلدان حلف شمال الأطلسي في الحملة الأفغانية مثلا. وهي لم تلح أيضا على مشاركة هذه البلدان في الحرب على العراق لاحقاً. وبذلك حددت مكانة هذه البلدان في السياسة الدولية كدول غير عظمى وإن كانت دولاً كبيرة، وهمشتها نسبياً. وتعاون الولايات المتحدة مع روسيا خلال الحرب الأفغانية كان من شأنه، عدا ضرورته فعلاً للأميركيين، أن يظهر للأوروبيين أنهم مبعدون عن أهم ساحات السياسة العالمية وأنّ بوسع الولايات المتحدة أن تتعاون مع من "لا يمكن توقعه" من الشركاء. ولقد تم عموما إحراز هذا الهدف بكليته عمليا وعلى أفضل نحو. فالمجموعة الأوروبية وجدت نفسها محصورة في رقعة جغرافية صغيرة جداً لا تتجاوز حدود أوروبا والبحر المتوسط و"المنطقة الفرنسية" في إفريقيا الضئيلة الأهمية على صعيد السياسة العالمية. وفي الوقت نفسه أهدرت الولايات المتحدة نهائيا دور الأمم المتحدة وأسفّت من قيمة قرارات هذه المنظمة الدولية. زد على ذلك أن الولايات المتحدة سيّرت، بعد تهميش دور الأمم المتحدة وبلدان أوروبا الرئيسية، سيناريو خفض الأهمية الدولية لحلف الأطلسي. فالعملية الأفغانية أظهرت مدى التجاهل لحلف الناتو ومحدودية هذا الحلف على صعيد الحغرافيا السياسية. وفي الوقت نفسه حرصت الولايات المتحدة على تكوين رهط جديد من الحلفاء والشركاء، خاصة من بين البلدان التي لم تبلغ بعد سن الرشد ولا تزال بحاجة إلى وصي يؤمن لها أسباب العيش و"الخرجية"، والتي يمكن أن يكون التعاون معها أكثر فاعلية وأقل إنفاقاً للوقت الثمين وللموارد السياسية. والمطلوب من هؤلاء الحلفاء ليس القدرة على القيام بمهام عسكرية قتالية ذات شأن بقدر ما هو أن يقدموا أراضيهم وبناهم التحتية ويؤمنوا الاستقرار والتجاوب في مناطقهم والغطاء السياسي في المناطق الأخرى. وتنظر الولايات المتحدة إلى روسيا كشريك رئيسي "جديد" على الرغم من كل ما تبديه أوساطها الإعلامية والسياسية من عدم ثقة بحكم الرئيس بوتين بين الفينة والأخرى. وهي حتى الآن لم ترسم خطة للمضي في التعاون مع روسيا، وإن كان تنفيذها قد يمر عبر "ثورة مخملية" على شاكلة "الثورة البرتقالية" مؤخراً في أوكرانيا، أو حتى "عنفية" تطيح بوتين وتجيء بمن هو أقدر منه على الحفاظ على مصالحها في المجال السوفياتي السابق. غير أن مهمة الولايات المتحدة هي الحد من التعاون الروسي الأوروبي وجر روسيا إلى مشاريع مكافحة الإرهاب، ولا سيما في أطراف أوراسيا: وسط وجنوب آسيا. وبهذا يحصر دور روسيا الدولي ضمن مناطق غير مستقرة سياسيا وأمنيا ومغلقة من ناحية الجغرافيا السياسية. وقد اتضح للولايات المتحدة في سياق قيامها بالحملة العسكرية على أفغانستان أن من الصعب جدا القيام بمثل هذه الحملات في ظل عدم وجود قواعد عسكرية لها في الأقاليم المعنية. ولذا كان من بين أهداف الولايات المتحدة المهمة أيضا إقامة علاقات تعاون عسكري مديد مع عدد من دول المنطقة كأوزبكستان وكازاخستان وجورجيا وأذربيجان وقرغيزيا وأرمينيا وغيرها. غير أن الإنجاز السريع للجزء الرئيس من الحملة الأفغانية أفضى إلى إعادة النظر في ثوابت الوجود العسكري الأميركي في وسط أوراسيا. فتركيا حليف الولايات المتحدة وشريكها التقليدي ينظر إليها الأميركيون بالدرجة الأولى لا كشريك في الحلف الأطلسي، بل كشريك من خارج هذا الحلف. والشيء ذاته يمكن قوله في إسرائيل. فالمهام التي تعمل الولايات المتحدة على معالجتها في الشرق الأوسط وفي منطقة أوراسيا تفترض ابتعاد تركيا عن الحلف الأطلسي وإقامة علاقات أشد وثوقاً مع الولايات المتحدة مباشرة. بهذا المعنى يمكن أن ينظر إلى تركيا أيضا كحليف "مستجد" للولايات المتحدة، أي قائم بدور جديد. وقد تعزز هذا الدور الجديد لتركيا على امتداد التسعينيات. (هناك من يزعم أنه إذا لم تقبل تركيا في الاتحاد الأوروبي، فإنها بعد مضي 10 سنوات ستختفي كدولة موحدة)[2]. ولربما جرى الأمر بصورة مغايرة، غير أن وضع إسرائيل، هذا الحليف الثابت والتقليدي للولايات المتحدة، سائر إلى تغير أيضا. فإسرائيل سوف ينظر إليها لا كما من قبل، أي انطلاقا من دورها فقط في منطقة وجودها، بل ضمن إطار الهدف "العام" للحلفاء والشركاء الذين لا تتسم منطقة الشرق الأوسط عموما، وبالأخص القضية الفلسطينية، بأهمية تذكر بالنسبة إليهم. ويمكن أن نجد في العالم العربي عددا لا بأس به من مثل هذه الدول، كما يمكن أن ننسب إلى مثلها عمليا كل دول جنوب القوقاز ووسط آسيا. وهكذا سوف يفقد كل من إسرائيل والفلسطينيين الساحات الأخرى التي تعالج مشاكلهم (كأوروبا أو روسيا)، كما ستتجاوز إسرائيل عزلتها التقليدية في آسيا. وربما يمكننا في ظل هذا الوضع الجغراسياسي الجديد أن نتوقع قيام دولة فلسطينية قريبا، ولكن بشروط لا تستجيب لا لمطامح إسرائيل، ولا لمصالح الفلسطينيين، بل لأمن الولايات المتحدة. 4. مواقف الولايات المتحدة وإسرائيل وخططهما في مجال تسوية نزاع الشرق الأوسط، ومواقف الأوروبيين. يخال المرء أن لدى الولايات المتحدة خطة محددة ما لتسوية القضية الفلسطينية. فهي شكلت فريقا يبدو ذا شأن يهتم بمسألة تسوية هذه القضية. فعينت الجنرال الأميركي اللبناني الأصل إنتوني الزعني، وهو من بين أكثر الجنرالات نفوذا سياسياً، ممثلا خاصا لها في الشرق الأوسط ليمارس الضغوط على كل من إسرائيل والفلسطينيين. وسلمت ديفيد ساترفيلد، أحد أعتق الدبلوماسيين وأخبرهم في المشاكل الإقليمية، السفير الأميركي سابقا في لبنان، مهمة تنسيق سياسة الولايات المتحدة الشرقأوسطية في وزارة الخارجية الأميركية. وانخرطت في عملية تسوية القضية الفلسطينية الطاقاتُ السياسية للاستخبارات المركزية الأميركية والبنتاغون. غير أن الجهود المختبئة وراء هذه الأسماء الفضفاضة خلبية أكثر منها مؤتية للثمار. فالولايات المتحدة لا تستخدم عمليا تلك الأساليب السياسية المعروفة التي تستخدمها عادة في سياساتها الإقليمية من عقوبات اقتصادية وضغوط دبلوماسية حقيقية على طرفي النزاع. وهي بـ"تأكيسها" على عرفات، بعد أن حصلت منه إسرائيل في حينه على تنازلات أوسلو وغيرها، اعتبرت أن لا وجود لمن يمكنه أن يتفاوض ويتوصل إلى اتفاقيات ولو على الشروط الأولية للتسوية. فثمة خطط شتى لدى الأميركيين لتسوية المشكلة، من بينها خطة السيناتور ميتشل، وخطة رئيس الاستخبارات تينيت، وبعض المقترحات المتناقضة لأنتوني الزعني. وكانت أخيرا "خارطة الطريق" التي اتخذت طابع الخطة الرباعية الدولية المنبثقة عن رباعي الشرق الأوسط: الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، روسيا، الأمم المتحدة. غير أن ما يزال بعيدا عن الفهم هو: ما أهمية خطط التسوية هذه؟ أي منها يمكن اعتباره المفضَّل بالنسبة إلى الولايات المتحدة؟ الأقرب إلى الخطة الرسمية الأميركية هو ما يتماشى في "خارطة الطريق" مع خطة ميتشل القاضية باستئناف عملية التسوية انطلاقا من النقطة التي وصلت إليها عند انقطاعها، ولكن بشرط وقف العنف في فلسطين. من الواضح تماما أن الولايات المتحدة التي لم تكن تأمل بحوار بناء، كما تراه هي وإسرائيل، في ظل الظروف الحالية، قد وقفت عملياً إلى جانب شارون وأسلوبه في التعاطي مع القضية، أسلوب ضرب الانتفاضة الفلسطينية وتدمير الجماعات المسلحة الفلسطينية واغتيال قادتها ومن ثم تشكيل جهة متفاوضة جديدة من بين الفلسطينيين. وهناك بين بوش وشارون اتفاقيات توصلا إليها خلال زيارات شارون للولايات المتحدة. فإبان زيارة شارون لواشنطن في آذار عام 2001 اعترفت الولايات المتحدة عمليا بحق إسرائيل في استخدام القوة العسكرية الفظة لضرب انتفاضة الفلسطينيين وضد التنظيمات العربية الأخرى التي تقاوم إسرائيل. وفي الوقت عينه منحت الولايات المتحدة إسرائيل ضمانات أمنية لا سيما في شكل مساعدات عسكرية تضمن تفوقا عسكريا استراتيجيا إسرائيلياً في منطقة الشرق الأوسط. غير أن تلك الزيارة كانت "تمهيدية" إذ إن كثيرين من المراقبين كانوا مجمعين على أن حكومة شارون لن تعمر أكثر من 6 أشهر. بيد أن مواقع شارون في إسرائيل تعززت في الواقع. وحتى عندما يشكل حكومة ائتلافية مع حزب العمل يبقى القسم اليميني من الحكومة هو الحاسم في اتخاذ القرارات. وقد تشكلت في إسرائيل عمليا "طغمة" من الوزراء والجنرالات اليمينيين تراعي أقل ما أمكن من القواعد الدستورية وتمارس عمليا أساليب دكتاتورية في الإدارة. وقويت شعبية شارون وفريقه كثيرا حتى بلغت أحياناً 70 بالمائة وأكثر. وهذه الشعبية تقوى ولا تضعف مع اتساع رقعة القتال ضد الفلسطينيين ومناضليهم وزعمائهم. وفي هذا السياق أصبحت زيارات شارون اللاحقة لواشنطن تتم من مواقع أقوى وأثبت ما اضطر الأخيرة إلى الإقرار بفاعلية سياسة شارون وقدرتها على حشر القيادة الفلسطينية في الزاوية. وأكد جورج بوش لإسرائيل غير مرة ضماناته الأمنية لإسرائيل ووافق من حيث المبدأ على ما يقوم به شارون حيال الفلسطينيين. وكانت من الأهمية بمكان أيضا زيارة شارون لواشنطن في تشرين الأول عام 2002 عندما حظي زعيم اليمين الإسرائيلي بالدعم قبيل الانتخابات النيابية المبكرة في إسرائيل، ولم يعد بعدها يُسمَع في إسرائيل سوى الصوتِ اليميني المتعصب المتطرف. وبات الخيار فقط بين شارون ونتانياهو. ويمكن القول إن الوضع في إسرائيل بات يتقرر بعد خريف العام 2000 على قاعدة الخطاب السياسي. فهذا الخطاب لا بد أن يكون قاسيا جافيا يفترض استخدام القوات المسلحة استخداما دائماً عمليا، فيجعل من دولة إسرائيل ومن المجتمع الإسرائيلي "قلعة محاصرة" يتنازل في داخلها السياسيون للعسكر على صعيد اتخاذ القرارات المصيرية. وهنا لا بد من القول إن من الخطإ الظن أن الولايات المتحدة تصطدم بمشاكل ذات شأن في العالم العربي من جراء عدم حل القضية الفلسطينية. فهي في هذه المرحلة حريصة وحسب على التخفيف من عدم رضى الأميركيين أنفسهم عن التكاليف الباهظة للعلاقات الأميركية الإسرائيلية أكثر من حرصها على إرضاء خاطر العرب. فكان لا يزال يجول في أوساط المجتمع الأميركي الواسعة رأي مفاده أن أحداث الحادي عشر من أيلول ما كانت لتحصل لولا وجود واقع عدم حل المشكلة الفلسطينية. غير أن حرب العراق التي أفضت إلى انهيار النظام العراقي بسرعة واحتلال هذا البلد العربي غيرت مزاج الأميركيين وأعطت الرئيس بوش فرصة جديدة للفوز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة بولاية جديدة، لا سيما ان أنباء الخسائر الأميركية في العراق لا تزال محصورة ضمن أطر معقولة. لقد جهدت الولايات المتحدة كثيرا لخفض مستوى المواجهة العسكرية في فلسطين لفترة طويلة نسبياً، ما أتاح لها التفرغ لإتمام السيطرة على أفغانستان وشن الحرب على العراق. وهكذا راهنت الولايات المتحدة على تمديد مسيرة تسوية النزاع ما أمكنها ذلك. وعلى الرغم من المواقف المتصلبة التي وقفها في حينه مبعوث الولايات المتحدة الخاص إلى الشرق الأوسط إنتوني الزعني، فإن واشنطن لم تحاول أن تفرض على الفلسطينيين أو الإسرائيليين أية خطة عمل إضافية، بل عبرت عن سعيها لوقف العنف وتهيئة الظروف لمواصلة التفاوض، مع علمها أن المواجهة لن تتوقف بين إسرائيل والقوى المتشددة في فلسطين، وأن على إسرائيل المضي قدماً في قتال التنظيمات الفلسطينية والشعب الفلسطيني. وفي الوقت نفسه أعربت عن عدم السماح لإسرائيل بالانخراط في العملية العسكرية المقبلة ضد العراق. وبينت القمتان العربيتان في عمان وبيروت عام 2002 والقمة الإسلامية في قطر عام 2001 مدى الارتباك السائد بين الدول العربية والإسلامية المشاركة وعدم قدرتها على اتخاذ قرارات ملموسة. وليس حتى الآن من أساس لتوقع تشكل جبهة فعلية موحدة ضد أميركا وإسرائيل. ولا بد من تأكيد أن مواقف وتحركات الإدارة الأميركية بقيت بعيدة عن التفكير في رسم خطة مبدئية لتسوية المشكلة الفلسطينية. فهي في وضعها الحالي لا يسعها الانهماك في تسوية أي من النزاعات الإقليمية التي لا تنسجم مع خططها لمكافحة "الإرهاب الدولي" والدول الداعمة له. وإذا تمكنت الولايات المتحدة من الإبقاء على النزاع المسلح في فلسطين مستمرا فإنها سوف تحصل على أفضليات سياسية إضافية في المنطقة. فاستمرار المواجهة في فلسطين يعتقد كلا الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني أنه في صالحه. ذلك أن شارون لا يسعى إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، خاصة ضمن الحدود التي يطالب بها الفلسطينيون وعلى قاعدة أن تكون القدس العربية عاصمة لدولة فلسطين المزمع إنشاؤها. فمن المفهوم أنه لا تناسب شارون وفريقه تسوية القضية الفلسطينية دون غيرها، أي تسوية العلاقات مع الفلسطينيين فقط. فإذا بقيت مسألة القدس مفتوحة بعد إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والاعتراف بها، فإن هذا سيعني استمرار النزاع الإقليمي فترة طويلة لا مع البلدان العربية وحسب، بل مع كل العالم الإسلامي أيضا. ولا تريد إسرائيل السماح بأي شكل من أشكال الرقابة الدولية على القدس، بل ترغب في حل هذه المشكلة فقط بينها وبين الدول العربية. وليست إسرائيل تستبعد مثلا أن تلجأ الدول العربية في حال إنشاء الدولة الفلسطينية إلى تقديم كل مساعدة مالية لهذه الدولة، وإلى وقف كل علاقة مع إسرائيل في الوقت نفسه. وإن وضع الحصار الدائم لإسرائيل في المنطقة لهو شرٌّ عليها من الانتفاضة المستمرة. فهي وإن اصطدمت بصعوبات اقتصادية غير قليلة الشأن بنتيجة الانتفاضة لن تُعدَم السبيل إلى حل بعض هذه المشاكل، غير أن مستقبلها الاقتصادي سوف يتوقف على إمكان وصولها إلى السوق العربية الواسعة. هذه المشكلة ستكون غير قابلة للحل في ظل التواجه في المنطقة. إن إطالة أمد المجابهة في فلسطين تتيح لشارون التوصل إلى هدفه التكتيكي الرئيسي ألا وهو التقليل من قيمة نتائج مفاوضات باراك وعرفات وكلينتون في كمب ديفيد والتخلي عنها عملياً، وهذه هي رغبة كل اليمين الإسرائيلي، وليس شارون وحده. ومن جهة أخرى كان الرئيس الفلسطيني الراحل عرفات حريصا هو الآخر على إطالة أمد الصراع المسلح بانتظار بروز وضع جديد في الشرق الأوسط أكثر مؤاتاة للفلسطينيين، دون أن يمكّنه القدَر من انتظار هذا الوضع الجديد. وكان عرفات مقتنعاً بأن الدول العربية، وحتى عراق صدام، لا تنوي أن تقدم له وللفلسطينيين دعما سياسيا وعسكريا محسوساً. فالدول العربية هي عمليا في حال انتظار وتبني سياساتها على مصالح دولها فقط. فصدام الذي كان يطلق التصريحات الطنانة دعما لفلسطين ويتحدث عن مليار دولار يدعم بها الانتفاضة الفلسطينية كان في الواقع يواصل لعبته الدعائية الرامية أصلا إلى تدعيم نظامه وتوسيع رقعة تأييده عربياً. والولايات المتحدة هي من جهة ثالثة حريصة على إطالة أمد تفجر الأوضاع في فلسطين وتحوله إلى مواجهة مزمنة أقله خلال تفرغها لمكافحة "الإرهاب" في العراق، أي لتبرر، تمثّلا بشارون، قمعها المقاومة العراقية للاحتلال الأميركي، وخلال تفريغها لباطن الأرض العراقية من "الذهب الأسود". ويبقى السؤال المطروح هو: هل ستودي إقامة دولة فلسطينية في فلسطين إلى تسوية النزاع، وهل ستعني التسوية السياسية تعايشا سلمياً؟ من المعروف أن الولايات المتحدة كانت مستعدة قبل الحادي عشر من أيلول لتقترح على الجمعية العامة للأمم المتحدة إقامة دولة فلسطينية. ولم يكن اقتراحها يتطرق إلى مسائل الحدود والوضعية القانونية لهذه الدولة. وبالنسبة إلى القدس دار الحديث عن "أخذ مصالح الديانات السماوية الثلاث جميعها في الحسبان". غير أن الولايات المتحدة اقترحت في الواقع صيغة "ثورية" للغاية، إذا صح التعبير: صيغة إقامة دولة موهومة لا حدود لها متفقاً عليها مسبقاً. وعليه يمكن أن تتم مناقشة مسائل الحدود والقدس واللاجئين في ظل مجابهة مديدة، ما يتيح للولايات المتحدة تنفيذ مشاريعها الخاصة. ولا بد من ذكر أن العديد من الدول العربية والحركات الإسلامية كان يقلقه مستقبل كهذا إذ كان سيفقد جزءا كبيرا من المآخذ والاعتراضات على إسرائيل التي سيمكنها آنئذ أن تطور المزيد من العلاقات مع بعض الدول العربية وأن تعزز من قدرتها على البقاء. أما بالنسبة إلى العديد من الأنظمة العربية والحركات الإسلامية فقد كان من شأن هذا المشروع الأميركي أن ينتهي بها إلى كارثة تاريخية إذ إن السيطرة الإسلامية على القدس كانت ستزول في الحقيقة. إن تعاون الولايات المتحدة وإسرائيل وتفاهمهما ليتسمان هنا بطابع تكتيكي. فشارون يدرك جيدا أن خطته لـ"ضرب الانتفاضة الفلسطينية المسلحة وطرد الفلسطينيين" من فلسطين لا يمكن أن تتم إلا في ظل مجابهة حادة، وأيضا في ظل مواصلة العملية الشاملة ضد "الإرهاب". أما الولايات المتحدة فتنوي أن تقيم دولة فلسطينية ولكن في ظل ممارسة ضغوط قوية على الفلسطينيين. وسيكون على شارون أيضا الاستعداد لقيام مثل هذه الدولة، وسيتمثل هذا الاستعداد بالآتي: أ‌- تدمير أكثر المنظمات الفلسطينية المسلحة شكيمة وتصلباً، وبالأخص منظمة "الجهاد الإسلامي". فالإسرائيليون ينظرون إلى "الجهاد الإسلامي" كأكثر المنظمات راديكالية واستقلالية والتي لا مجال عمليا للتحاور سياسياً معها. أما بالنسبة إلى "حماس" فيبدو أن لدى الإسرائيليين بعض الأمل تجاهها يعقدونه بعد اغتيال كبار قادتها المتعنتين كالشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي على تدمير الجناح العسكري فيها والتعاون مع الجماعات المعتدلة التي يعتقد انها تشكل قرابة الثلث فيها. ب‌- إطالة أمد الصراع المسلح بين إسرائيل والفلسطينيين بما يؤدي، لا سيما بعد إقامة الجدار الفاصل وإغلاق أبواب الرزق في وجه الكثير من الفلسطينيين الذين كانوا يبحثون عنه في الداخل الإسرائيلي، إلى هجرة جماعية للسكان العرب، ولا سيما من مناطق معينة هامة استراتيجيا، ولعرب إسرائيل نفسها ولممثلي برجوازية المدن والطبقة الوسطى والمثقفين. وتعمل إسرائيل على إغراق المجتمع الفلسطيني في بحر من الفوضى، بعد أن كان قد انتقل خلال السنوات العشرين الأخيرة إلى حالة نوعية جديدة على صعيد التعليم والنشاط الاقتصادي. فالمجتمع الفلسطيني لا يزال مجتمعا غير مكتف بذاته اقتصاديا، ولكنه لم يعد كما كان في السبعينات مثلا. والفلسطينيون هم واحد من أكثر مجتمعات العالم العربي تعلماً وتسامحاً وتحركاً ونشاطاً على الصعيد الاجتماعي. ت‌- تسعى الولايات المتحدة وإسرائيل إلى تغيير القيادة السياسية الفلسطينية بما يؤاتي مصلحتهما، لا سيما بعد وفاة ياسر عرفات مؤخرا. فقد كان واضحا لهما ان عرفات لن يستطيع أن يقود السلطة الوطنية الفلسطينية وأن يتخذ المبادرات والقرارات السياسية التي تنسجم مع ضغوطاتهما. وكان عرفات يحاول أن يبقي مسافة بينه وبين ما يقوم به الراديكاليون الفلسطينيون على صعيد الانتفاضة المسلحة، غير أن إسرائيل استمرت على اتهامها إياه بأنه يدعمهم "من تحت لتحت" وعلى تحميلها إياه مسؤولية ما يقومون به. وبديهي أن منطق الجمع بين نشاط الجناح السياسي والجناح العسكري لأي حركة سيفضي في نهاية المطاف إلى فقدان القيادة السياسية القدرة على التحكم بالأمور. ولم يكن عرفات تالياً بقادر على اتخاذ قرارات سياسية حاسمة بسبب من استقلالية الجماعات المسلحة ولا على القبول بالمقترحات والشروط الإسرائيلية والأميركية والبقاء في الوقت نفسه زعيما للشعب الفلسطيني. فتحقيق المشروع الأميركي (أو قل الأصح النوايا الأميركية) ما كان ممكناً إذا إلا باستبعاد عرفات كليا من ساحة النشاط السياسي أو بتحويله كشخصية سياسية إلى اسم دون مسمى. لكن الأميركيين لم يكونوا يريدون أن يزيحوا عرفات من الساحة بأنفسهم، فسلموا هذه المهمة إلى إسرائيل مع إعطائهم إياها الضوء الأخضر بالتأكيد باستمرار أنه ليس الشخص الممكن التفاوض معه بعد الآن. ومن مفارقات الأمور أن أول من طرح مسألة إزاحة عرفات من السلطة كانَ زعماءَ "حماس" و"الجهاد الإسلامي" وبعض قادة "فتح". وأيد رجال الأعمال والمثقفون، لا سيما في بلدان الشتات الفلسطيني، الرأي الذي يقول إن عرفات غير قادر على اتخاذ القرارات الواقعية وإن عليه أن يخلي الساح للساسة الشباب النشطين. ولئن بقيت منظمات مثل "فتح" و"حماس" و"الجهاد الإسلامي" تؤيد شكلياً عرفات، ولا تجرؤ على مجابهته بحدة، وبخاصة على إزاحته بالقوة، على رفم أنها كانت تنتقده شديد الانتقاد على تنازلاته في أوسلو ومدريد وعلى بعض التنازلات السياسية الأخرى التي كان يقدمها لإسرائيل لأجل التسوية. والآن بعد أن توفي عرفات إثر إقامة جبرية مديدة وحصار إسرائيلي مضنٍ له في مقره في رام الله وعزل له وللمقربين منه عن الاتصال الجاد سواء بالأميركيين أو بالأوروبيين، باتت إسرائيل مستعدة أكثر لتحقيق مشروعها الكبير في مجال تغيير القيادة الفلسطينية والمجيء بقيادة أسلس قياداً في السير نحو تصفية القضية الفلسطينية وتوطين اللاجئين الفلسطينيين في أماكن تواجدهم الحالية. وتعول إسرائيل وأميركا على وجود أشخاص في السلطة أمثال جبريل رجّوب ومحمد دحلان وأمين الهندي الذين يقودون مصلحة الأمن الفلسطينية باعتبارها إياهم من ذوي النزعة "الواقعية" وإداريين قادرين على "تهدئة خواطر الفلسطينيين والسيطرة عليهم". هؤلاء الرجال الذين يسيطرون على القوات المسلحة للسلطة الفلسطينية شاركوا في حينه في اللقاء الذي عقد في القاهرة مع زعماء الشاباك والموساد الإسرائيليتين والذي رسم عمليا ملامح التسوية الممكنة للقضية ال
الفئة: مقالاتي | أضاف: Michelya (18.01.2011) | الكاتب: ميشال يمين E
مشاهده: 366 | الترتيب: 0.0/0
مجموع المقالات: 0